العرفان النظري والعرفان العملي

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الكرام

العرفان النظري والعرفان العملي

منذ أن وضعنا الرسم والتصميم الكلي لحقول الموقع قسمنا العرفان إلى نظري، وعملي وارتأينا أن نجعل لكل واحد منهما حقلاً خاصاً به كما هو الحال في باقي المواقع التقليدية في العرفان، أو قل المواقع التنظيرية التي لا تمت للواقع العرفاني العملي بصلة فليس من سمع كمن رأى، إلى أن وفقنا الله بالطاقة اللامتناهية فنحن بلا مدده أموات فلا حياة إلا به ومنه وإليه.
فما هو النظري وما هو العملي في العرفان؟ فليس كل نظري هو صحيح إلا إذا كان عن تجربة عملية على أرض الواقع (ولا ينبئك مثل خبير) فاطر -14- كما يقول لنا الله تعالى في القرآن أو في هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا لم تقولوا مالا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلوا) الصف – 2.

فالنظري والعملي طريقان متصلان متداخلان في نظر المولى المقدس الشهيد الصدر الثاني ومنهجه الحديث في العرفان، والذي نراه صواباً حسب هذا المنهج أنه لا يحق لأحد أن ينظر في أمر هو غير عاملاً به أو لا يتخذه منهجاً يمشي على هداه ويأمر غيره باتباعه، فما يدرينا أن كلامه حق وصحيح وهو لم يجربه أصلاً بل استدل عليه إما عقلياً، أو نقلياً، أو سماعياً، وكلها طرق غير عملية بنظر المنهج الواقعي للعرفان فمهما يكن تنظيره ذو مستوى فكري وعقلي جيد فهو لن يخلو من خطأ لأنه لم يقتحم العقبة ولم يفك الرقبة أي لم يجتز عقبة النفس ولم يعتق رقبة ذاته، وروحه ويحررها من أدران النفس الظلمانية، بل بالعكس سوف يكون كلامه حجة عليه، وهلاك لغيره خاصة إذا كان عالماً مجتهداً لديه الكثير من الأتباع فإنه بعمله هذا يأخذهم الى ما لا يحمد عقباه، ومن أفضل الأقوال والنصائح التي وردت في هذا الأمر كلام لأحد أعلام العرفان حيث قال ( خمسين سنة فقه وأصول بدون تهذيب للنفس، والأخلاق معناه صفر فلا قيمة لعلمك بدون جهاد للنفس، واكتساب الأخلاق الإلهية ) .

فالنظري عموما (المعلومة) سواء كان عرفانياً، أو أخلاقياً، أو عقلياً باختصار هو كل ما تتلقاه في حياتك من معلومات، ويبرمجها العقل المادي المحجوب بالنفس، وتحفظها الذاكرة ويمكن أن يكون له طريقين هما:

أ‌- المجتمع
وينقسم إلى:
1 – العائلة من خلال التربية
2 – الدراسة بكافة مراحلها
3 – المجالس دينية كانت أم أدبية، أو عشائرية وغيرها.
4 – الاطلاع أي القراءة الخارجية
5 – الإعلام المقروء، والمكتوب، والمسموع، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي في العقود الأخيرة.
6 – أي معلومة أو أي فكرة يلتقطها عقلك ويخزنها في الذاكرة.

ب – الدين، والمذهب، أو المعتقد

فكل إنسان له خلفيته وتراكماته الدينية، والاعتقادية الآتية من الدين الذي هو عليه، ومن ثم المذهب وبالتالي المعتقد بمبادئ هذا الدين أو المذهب والذي ينشأ ويتربى عليه بكل حسناته، وسيئاته وبالتالي تراه يدافع عنه ويتمسك به من دون أن يمر بتجربة ذاتية يختبر هل هذا الذي هو عليه حق، أم باطل إنما فقط تعصب أعمى إلا من رحم ربي الذين هداهم الله لطريقه الحق.

ج – ويمكن أن نضيف أيضاً كل ما هو مغروز في جبلتك الأولية من سمات وصفات مختلفة عن الغير قبل أن تأتي لهذه الحياة.

في هذه النقاط تكلمنا عن كل ما هو نظري لدى الإنسان عموماً والذي يمكن أن يكون العرفان النظري من ضمنها والمشمول بقاعدة المعلومة العقلية المادية المحجوبة، وليس المعرفة الروحية الآتية من العرفان العملي، والتجربة الروحية الخاصة لكل فرد، وهو ما يسمى حسب المنظور العرفاني الحديث المستوى الظاهري المحجوب عن الحقيقة بفعل سيطرة النفس على مراتب الذات الانسانية الثلاث (العقل، القلب، النفس الطيبة قبل تلوثها بالماديات، والذنوب) وبالنتيجة فإن كل نظري محجوب عرفانياً كان أم غير ذلك.

كيف ولماذا حتى النظري من العرفان محجوب رغم أنه يمكن أن يكون عن نتاج تجربة عملية يريد صاحبها أن ينقلها للمتلقي كي يستفاد منها؟
نقول في جواب هذا السؤال:
لاحظ عزيزي يا من تقرأ هذه السطور وتتلقاها ركز معي جزيت خيراً،
القاعدة المهمة والراسخة هنا حاولت أن أبينها لك ولا زلت أبينها بشكل أكثر دقة هي:
أنه مهما قرأت، وسمعت، وطبقت، واعتقدت من منقول فهذا يعتبر نظري مالم تشرع في تجربتك العملية الخاصة، والخالصة بك ولك وحدك.
فحتى هذا الموقع وما فيه من نتائج عملية جاءت بعد تجربة امتدت سنوات طويلة لن تفيدك مالم تقرنها بالتطبيق العملي على يد الشيخ المرشد الذي سوف يهيئه الله لك عند اكتمال الطلب الباطني لديك في إرادة السير نحو الله أي اكتمال خلوص النية القلبية لديك، أو على أقل تقدير المباشرة بالمبادئ التشريعية، والأخلاقية التي سوف نبينها لك حتى يوفقك الله لسبيله الحق، لذلك أنصحك بعد إكمالك قراءة الحقول السابقة أن تتم قراءة هذا الحقل إلى النهاية والحقول التي سوف تأتي بعده لأن خلاصة الموقع تتركز هنا، وفي الحقول التالية ففيها سوف نترجم كل ما هو نظري إلى عملي وهذه هي غايتنا وغاية المولى المقدس ومن فوقها غاية الله ورسوله وأهل البيت وهي الوصول بك والأخذ بيدك إلى الخطوة الأولى لخلاصك، والمباشرة في السير نحو معرفة نفسك أي حقيقتك المقترنة بحقيقة ربك كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( من عرف نفسه عرف ربه )1

وعوداً على ذي بدء نقول:
يا ترى أين المخرج من كل ذلك وكيف بالإنسان أن يتلمس طريقه نحو الخلاص خاصة إذا خلصت نيته تجاه ربه الاعلى؟
طبعاً لا مخرج إلا في الدخول والشروع بالعرفان العملي، وجهاد النفس ولكن قبل الدخول بهذا القسم الجوهري بالعرفان لابد له من معرفة خريطة العرفان العملي، ومستويات التربية الأخلاقية، والروحية المعمقة.
فنخلص إذاً مما تقدم أن العرفان النظري هو الشكل الخارجي لهيكل العرفان الواقعي، وهنا تكمن أهمية النظري وعلاقته التبادلية مع العملي فالنظري خريطة العملي.
طبعاً بالمناسبة ما نقصده بالعرفان النظري هو الرؤية الحديثة المعمقة ذات الفائدة العملية وليس التنظير الفارغ بدون تجربة. فالذي نتحدث عنه في هذا الموقع هو مجرب عملياً قبل أن نطرحه للمتلقي الكريم حيث يتفرد بذلك موقعنا المبارك هذا في ترسيخ ونقل التجربة العملية، ونتائجها البناءة من أجل تسهيل وإيصال الفكرة إلى المتلقي من القلب إلى القلب، لذلك قلما نجد أحداً في المواقع الاخرى يتحدث عن تجربته العملية وماذا وجد من خلال هذه التجربة فقط تنظير كما ذكرنا سابقا، وحتى لو فرضنا جدلاً أنه كان عن تجربة فعلية فهل له القابلية، والأهلية، والاستطاعة على نقله للآخر بشكل واضح وأن يراعي مستوى المتلقي ويكون عارفاً بخفايا ودهاليز النفس فليس صحيحاً ولا واقعياً أن تطبق تجربتك على غيرك، أو أن تفرضها فرضاً فلكل إنسان نظامه النفسي، والقلبي، والعقلي الخاص به، وهنا يتضح ويتأكد الحاجة إلى المرشد العارف بكل هذه الأنظمة، والقادر على معرفة الداء والدواء من خلال تجربته، وخبرته في التربية الأخلاقية، والروحية وسوف نفرد باباً خاصاً للتعريف بالشيخ المرشد العارف في حقل آخر إن شاء الله تعالى .

عذراً إذا خرجنا عن سياق هذا البحث والحقل لأن كل حقول ومباحث العرفان الحديث متداخلة فيما بينها يصعب فرز أحدها عن الاخر، نرجع إلى مسألة ترابط العرفان النظري بالعرفان العملي، وكيف يرسخ لنا المفهوم الحديث للعرفان التداخل والترابط بين النظري منه والعملي بشكل معمق، بحيث يتم تفعيل كلا الجانبين وأن كل جانب مهم للآخر، وإن بهما يجب أن يكون المسير فهماً واقعاً وجهان لعملة واحدة، حيث فيما يلي سنجمع الشقين معاً فلا دخول بالعملي إلا بالإلمام بالنظري، وسوف ترى عند الدخول في طريق التربية الروحية، والاخلاقية العرفانية بأنك بحاجة ماسة لكلا القسمين من أجل السير نحو الله وتربية ومجاهدة النفس، لنفرض أنك دخلت وباشرت بالعملي وأنت لا تعرف شيء عنه، فماذا تفعل حينها؟ سوف تحتاج إلى معرفة أساسيات الطريق وهنا تكون قد دخلت واحتجت للنظري حيث أنك في كل مرحلة عملية تحتاج للنظري (طبعاً النظري المبني على أسس عملية رصينة من قبل أناس عاشوا تجربة المنهج الأخلاقي العرفاني وليس التنظير العقلي المحجوب الذي يفرض عليك قواعد وأساسيات هو لم يجربها).

فالنظري اذاً هو المقدمة أو الباب والعملي هو المتن أو البيت فكلا الجانبين مطلوب، فأنت أيها المتلقي اللبيب لا تعرف ماذا ينتظرك فالنفس هذا المخلوق المهول لن تدعك تسير بسهولة، وعفوية من دون أن تتدخل في كل صغيرة وكبيرة فتوهمك حتى في كمالك وفي كل مستويات الطريق من أدناها إلى أعلاها، بأنك سائر بشكل صحيح وإذا بها على حين غفلة منك تحول مسيرك إلى مصلحتها الخاصة لذلك يجب التسلح بكافة الاسلحة قبل الدخول في معارك، ومعترك جهاد النفس من نظري، وعملي وأسس وهيكل النظام الأخلاقي العرفاني المطلوب منك السير فيه فهاهنا نظام دقيق جداً لا يحتمل الخطأ اليسير فقط لأنك تتعامل مع أدق نظام وضعه الله، وهو النظام الباطني العرفاني المبني على أسس، ومقاييس دقيقة للسيطرة على النفس. ذلك أن الحق تعالى قد جعل النفس هي الطريق الوحيد لمعرفته والحاجبة عن معرفته فسبحانه ما أعظم شأنه حيث جعل منها موصلة وحاجبة للحقيقة حتى تكاد تشاركه سبحانه في ألوهيته ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) الشمس 7-8- لذلك فإن مثل هذه المسؤولية لا تعطى لأي كان من أهل المعرفة، والأخلاق المعمقة أي التربية الروحية لا تعطى إلا لشخص تتوفر فيه جميع شروط الشيخ المرشد العارف بخبايا النفس وكيفية تضعيفها من أجل تحرير الذات الإنسانية وانطلاقها نحو بارئها الأول وسنأتي لاحقاً كما ذكرنا على تفصيل جميع ما يخص الشيخ المرشد في قادم البحث، وهذا الربط والتداخل في الجانبين النظري، والعملي يجب أن يتم وفق إرشادات وتوجيه الشيخ المرشد حسب نظام كان قد أتقنه من قبل وطبقه عملياً على نفسه أولاً، وعلى مريدي وطالبي هذا الطريق من المستحقين له ثانياً.

لذلك فإن المنهج الذي نعطيه هنا في هذا الموقع المبارك هو عبارة عن نموذج مصغر، ومركز من المنهج الموسع للمولى المقدس الشهيد الصدر الثاني والذي بيناه في حقل العرفان تبعاً لمنهج السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس) فهو غيض من فيض هذا العارف الواسع في عطائه، حيث سنحاول فيما هو آت رسم الهيكل والمخطط العام للعرفان بشقيه النظري والعملي، والتداخل الحاصل بينهما لذلك سنكتفي للاختصار بذكر العملي والذي يجب أن يفهم بأنه شامل لكل نظري وعملي، ففي منهجنا الحديث هذا لا وجود لنظري وعملي إلا من خلال التجربة.
حيث يتركز هيكل العرفان الحديث على أسس متينة، وركائز أساسية مهمة سهلة، وبسيطة طبعاً لا معقدة تمكن كل إنسان مهما كان مستواه من تطبيقه كل حسب إمكانياته، وهدفه، وتوجهه الديني، والأخلاقي، والعقائدي بشكل يتوضح ويتبين للذي يتبعه الخطوط العريضة لكي لا يتشابه القول عليه كما أوضحنا في الحقول السابقة. فالكل يستحق طريق الله ولكن كلا حسب استعداده، لذا قبل الشروع بالجوانب العملية التطبيقية نجد أنه لابد من الإجابة على مبحث مهم جداً قبل وضع المتلقي في التجربة العملية الواقعية لجعل المنهج أسهل وأبسط عليه عند التطبيق ويمكن اعتبار هذا المبحث مقدمة جوهرية للعرفان العملي.

مقدمة وتمهيد للعرفان العملي:
هل العرفان (جهاد النفس) والتخلق بأخلاق الله واجب أم مستحب؟
طبعاً يختلف جواب هذا السؤال من فرد إلى آخر حسب إدراكه وفهمه للدين لكن الغالبية سوف يكون ردهم أنه مستحب، وليس واجباً كما عهدنا هذا الأمر حسب تجربتنا العملية في إيصال هذه المبادئ للناس وفهمهم الخاطئ للدين، وسطحية الفكر الذي تبثه المؤسسة الدينية المسؤولة عن هذا الأمر، وعدم التفريق بين أصول الدين وفروعه مما خلق حالة من الجهل العام والشامل للمقلدين الذين لم يلتفتوا أنهم يتبعون المجتهد، أو المرجع في الفروع أي فروع الدين وهذا أمر واجب على كل إنسان مسلم شيعي، أما أصول الدين والأخلاق المعمقة وجهاد النفس فليست واجبة حسب رأيهم إنما الأمر متروك للفرد فجعلوا المقلد تابعاً حتى في توحيده وأخلاقه وجهاد نفسه لمنهجهم السطحي الذي هم عليه من حيث يشعرون أو لا يشعرون ففاقد الشيء لا يعطيه وفي كلتا الحالتين هم مقصرين ومسؤولين عن ذلك أمام الله فحصروا كل الذي ذكرناه بأداء الفروع وبعض المستحبات، والنوافل، والأدعية، والزيارات غير ملتفتين إلى أن أصل الدين هو التوحيد، وظاهر الدين لا يكتمل إلا باكتساب الأخلاق الإلهية، ومجاهدة النفس ومخالفتها في كل شيء تطبيقاً لمنهج القرآن وأهل البيت وقد أوضحنا ذلك في كل حقول هذا الموقع .

لذلك نجيب على هذ السؤال بالإيجاب والقبول نعم هو واجب على كل مسلم بشكل عام، وعلى المسلم الشيعي بشكل خاص وسوف نثبت ذلك بالدليل والبراهين النقلية، والعقلية:
لو نظرنا من جانب عقائدي عقلي ظاهري لقلنا أن أهل العقائد يفرقون بين فروع الدين من صلاة، وصوم، وزكاة، وحج وغيرها، وبين أصول الدين وهي:
التوحيد، العدل، النبوة، الإمامة، المعاد.
ووجه التفريق يكمن: أنه يشترط التقليد في الفروع لأن الإنسان العادي، أو العوام كما يطلق عليهم فقهياً لا يمكنهم استنباط الحكم الشرعي بمفردهم لذا وجب عليهم تقليد مجتهد جامع للشرائط وخاصة الأعلم، أما في أصول الدين والكلام لأهل العقائد فلا يجوز التقليد فيهن بل لابد للفرد أن يؤمن بكل أصل إيماناً قلبياً عقلياً مبني على تفكر وتدبر فلا يمكن لأحد أن يقلد أحداً في توحيده، مثل أنا نشأت وترعرعت في عائلة مسلمة تعبد الله وتوحده توحيداً ساذجاً* فهنا لا يجوز اتباع العائلة من أب، أو أم، أو الأكبر منك في توحيده إذاً أصبح لزاماً عليك وعل كل فرد مسلم، أو مسلمة أن يكسر قيود الصنمية، والعرف، والموروث التقليدي في أنه أنا مسلم فأنا أعبد الله كيف وأنت حتى لم تبحث ولو ظاهرياً لكي توحد الله ولو توحيداً بسيطاً أو ساذجاً* فيصدق عليك قوله تعالى ( قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ) الشعراء 74، كذلك قوله تعالى ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان اباؤهم لا يعقلون ولا يهتدون )البقرة -127- فالتوحيد وباقي أصول الدين لا يجوز فيها التقليد، لذا وجب على كل مسلم مهما كان مذهبه سنياً كان أو شيعياً أو أي مذهب آخر أن يعيد النظر في كل معتقداته، وأولها التوحيد لأنه أساس وأصل الدين والإيمان بها قلبياً وروحياً كما فعل ابراهيم عليه السلام في تتبعه للكوكب، والقمر، والشمس وتدبره في البحث عن ربه كما ورد ذكر ذلك في قصته في سورة الأنعام من الآية 74 إلى الآية 79، تأملوا واتبعوا طريقة البحث التي يريدنا الله أن ننتهجها في البحث عن الطريق الحق من خلال طرح قصة إيمان ابراهيم عليه السلام، والإيمان القلبي هو المرتبة الأولى من العرفان العملي الواقعي فلا يمكن توحيده عز وجل إلا من خلال وجوبية التوحيد والإخلاص فيه بمعرفة النفس وجهادها وتهذيبها بالأخلاق والتخلص من الشرك الظاهري كان أو الخفي، ومصداق ذلك نجده في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام المسمات خطبة التوحيد، أو خطبة المعرفة إذ جاء في مقدمتها :
(أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده وكمال توحيده الاخلاص له وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه)2
إذاً أول الدين المعرفة وعرفان التوحيد، وإخلاص التوحيد له فهي واجبة على كل مكلف لأنها أساس الدين وأوله قبل أي عبادة أو فرع فالأصل يلغي الفرع، وبدونه لا تصح الفروع فبدون التوحيد والإخلاص فيه لا يمكن القيام بأي عبادة لأن أداءها بدون توحيد يكون إشراكاً بالله توحد في علاه.

والذي أريد قوله كخلاصة لما سبق من كلام أن التطبيق العملي للعرفان جهاد النفس والتخلق بالأخلاق الإلهية قد بدأ تدريجياً يتوضح لدى القارئ اللبيب، وكأنك قد أخذت من خلال هذا الحقل خاصة والحقول السابقة جرعات أخلاقية عرفانية عملية تزيد كلما تعمقنا في تبيان هذا المنهج الحق، وهذا ما نسميه التداخل بين العرفان النظري والعملي حسب المنهج العرفاني الحديث، وسوف تكون الحقول التالية هي تبيان أعمق لهذا التداخل والشروع في رسم، وترسيخ هيكلية الجانب العملي التطبيقي وهو كما ذكرنا سابقا أن جوهر وأساس الموقع من ناحية عملية بناءة تتركز في هذا الحقل والحقول التالية بشكل تدريجي حيث يمكننا اعتبارها تابعة ومكملة لهذا الحقل وامتداداً للجانب العملي من المنهج العرفاني الحديث الذي نحن بصدد تبيان تطبيقه على أرض الواقع لذا سوف لن نختم هذا الحقل أو المبحث بل نقول …. يتبع

والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على خير المرسلين محمد وآله الطاهرين

الشيخ علي بدر المالكي

* التوحيد الساذج: هو الذي يؤمن به عامة الناس وهو نفي الشريك المماثل لذاته سبحانه في الذات والصفات فأنه لا يشبهه شيء-3

…………………………………………………………………………………………………………………
(1) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٣ – الصفحة ١٨٧٧ – غرر الحكم: 7946.
(2) نهج البلاغة – الانتصار – العاملي – ج ٢ – الصفحة ١٩٥
(3) فقه الاخلاق الجزء الاول