بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد واله الكرام
البداية وطريق التعلم
يتكون ويتألف العرفان من نظري وعملي كما بينا سابقا , النظري الموصل الى نتائج عملية , والعملي الموصل الى تطبيق المنهج العرفاني الحديث بمستوياته المتنوعة من منهج تعبدي طولي* وصولا الى المنهج الاخلاقي الموصل الى لب العرفان العملي وهو جهاد النفس وتحرير الذات وتجردها من الاخلاق والصفات النفسية الظلمانية وبالتالي الاتصاف بالاخلاق والصفات الالهية الحقه وتفعيلها .
وفيما يلي نعطي منهاجا عمليا تدرجيا يراعي مستوى المتلقي للوصول به الى مستويات اعلى فاعلى وحسب اجتهاده وفطنته وخلوص نيته , بل الافضل ان نقول هي عدة مناهج في منهج واحد ولا نحتاج للتذكير ان هذا المنهج كان نتاج تجربة عملية استمرت لعدة سنوات وتم تحديثها حسب التطور الحاصل في جميع نواحي الحياة علميا ونفسيا واجتماعيا مراعين فيه احدث نظريات علم النفس والاجتماع وباقي العلوم ليكون ملما ومتواصلا مع متغيرات العصر الذي نعيش فيه فالعالم من حولنا في تطور دائم وتعقيدات الحياة تزاد صعوبة لذلك وجب على المتولين لهذه المهمة الكبيرة ان يكونوا على قدر المسؤولية لا ان نكتفي بمناهج واساليب اكل عليها الدهر وشرب فأمست متأخرة ولا تلبي حاجة الفرد العقائدية والاخلاقية والروحية المتمثلة في ايجاد صلة حقيقية بينه وبين الله عز وجل , من اجل ذلك كانت الحاجة ملحة من اجل اطلاق موقعنا هذا لما رايناه من تصدع وتخبط عند الناس وحسب معايشتنا لجميع شرائح المجتمع ولا نقول بإننا نجترح المعجزات ولكن نعمل على قدر ما مكننا ربنا فهو خير ناصر ونعم معين ببركة محمد واله الطاهرين .
تمهيد
أولا :ملخص الحكاية وتشخيص الداء
تمضي السنوات وتتعاقب الاجيال وتبقى القصة والحكاية ذاتها دون تغيير او ايجاد حل لها
يمر الانسان في بداية حياته بعد سن البلوغ والتكليف ولربما قبله بعدة مراحل يمكن اعتبارها تقلبات طبيعية , حيث يكون متأثرا بمن حوله في اتباع تجربتهم التي املاها عليهم من قبلهم وهكذا , هي هي نفسها كما بينا سابقا قصة التدين التقليدي في اتباع عبادة الاباء والسير على منهج العائلة سنيا كان اوشيعيا , لا بل تكاد التجربة تعمم على كافة المجتمعات والديانات سماوية كانت ام ارضية , وهذا يحتاج تفصيل واسع , والذي يهمنا هنا اتباع مذهب اهل البيت سلام الله عليهم الشيعة الامامية بأعتبارها قمة الهرم الاسلامي من ناحية النظام التكاملي تبعا لقاعدة اتباع الاكمل والاكمل هم محمد واله ومن اتبعهم وهكذا نزولا من شيعة خلص الى محبين حيث تتفاوت هذه المنزلة الكمالية الباطنية تبعا للاخلاص ولنواحي عدة .
ان ما نتكلم عنه هنا هي قصة كل فرد تربى وترعرع حسب الموروث الشيعي التقليدي الذي توارثته العوائل والمجتمعات الشيعية والذي تلقته من مرجعيات قائمة على امور المذهب وموجهه له في كل نواحي حياته الدينية الاخلاقية منها ومن قبلها التعبدية من فروع واجب فيها التقليد والذي توسع حتى شمل التقليد في التوحيد والمبادئ الاخلاقية .
وللحكاية بقية فالداء لازال مستمرا ويحتاج الى تشخيص ادق فالنكمل بقية الحكاية…
مرحلة الفراغ والتشبع والبحث عن بدائل
يكاد الاعم الاغلب يشترك بهذه التجربة من الذين يريدون مرضاة الله ويبحثون عن الافضل لدنياهم واخراهم , حيث ينتابهم ذلك الشعور الخفي بالتيه والفراغ والضمأ كلما حاولوا ان يسدوه بما لديهم وبين يديهم من عبادات فلم يرتووا قط , ونجد ذلك جليا في الاشخاص اصحاب النية الصافية والقلب الطيب من خلال تساؤلاتهم , ولكي نكون عمليين اكثر فنحن نجد ذلك التيه والفراغ الديني على ارض الواقع وحسب تجربتنا مع كافة المستويات وشرائح المجتمع المختلفة حيث يشترك المجتمع الاسلامي عامة والشيعي خاصة في ذلك الشعور من التيه والتخبط ليس في وقتنا الحالي فقط بل ان هذا حاصل قبل عقود , اجيال تليها اجيال تاهت بعد ان وصلت الى مرحلة لم يسعفها اي امر تعبدي فإما دخلت كما ذكرنا في خطوط عرضية وهمية , وإما نفرت وابتعدت عن الدين لانه لم يسد هذا الفراغ الحاصل في دواخلها وخاصة ذوي العقول النيرة والاكاديمين منهم والذين لم ينتشلهم احد ويأخذ بيدهم ويبين لهم ان هذا الدين له ظاهر وباطن وان هناك الكثير منه لم يكشف لهم , لكنهم للأسف اصطدموا بمؤسسة دينية تقليدية صامتة والتي هي بدورها داخلة في خطوط عرضية وهمية ومستفيدة من جهل الناس ومتنعمة منه , انها ايها السادة شريحة تكاملت عقولها واستوفت استعدادها لتقبل ما هو اكمل من ظاهر تعبدي وهمي , ولا نلوم من ترك التدين منهم بقدر ما نلوم المؤسسة القائمة على امور الاسلام والمذهب فاذا صدق السائل هلك المسؤول , يستوي في هذا الاكاديمي والطالب والكاسب فهم جميعا في مرحلة تسمى حسب المنهج العرفاني الحديث , مرحلة التشبع واتمام الظاهر النفسي الاولي بحيث يكونون على مفترق طرق , فإما يدخلون في خطوط عرضية* اي تكرار ما بين ايديهم فيزدادون حجبا نورية , وإما يتولاهم الله برحمته الرحيمية الخاصة طبعا بعد توليد الاستعداد الداخلي من قبلهم فيهديهم الى سواء السبيل حيث يكون المسير طوليا فينتقلون الى مرحلة ما بعد الظاهر النفسي التعبدي بعد الملل منه وطلبهم للاعلى والارقى منه , فنظام التكامل الانساني الاكتسابي* الذي وضع من قبل الحق تعالى شأنه هو نظام تصاعدي طولي لا نظام تسافلي عرضي لذلك اذا وصل الفرد الى نهاية مرحلة واتمها لابد له ان يعبر الى المرحلة الاعلى منها .
وبعد تشخيص الداء لابد من وصف الدواء المناسب
ثانيا :وصف الدواء
البداية وطريق التعلم
فمن هنا تبدأ حكايتنا مع المنهاج الذي يقدمه هذا الموقع واسباب الحاجة الى منهج عقائدي تعبدي اخلاقي مبني على اسس تربوية روحية وعقلية وفكرية وليس على اساس تبعية متحجرة في كل هذه النواحي انفة الذكر , وبالمناسبة فان منهجنا قد بدأ معكم من حيث تشعرون او لا تشعرون فتشخيص الداء هو نصف الدواء على حد تعبير اهل الطب وها هنا طب ايضا ولكنه نوع ارقى من طب الابدان انه طب القلوب وراحة العقول وترويض النفوس وتربيتها روحيا واخلاقيا .
نحاول في طريق التعلم تبيان اساس العمل وعلى اي امر يرتكز , حيث ابراز سبب وعلة المشاكل من تيه وفراغ ديني لدى الفرد الباحث عن خلاصه ومرضاة ربه , جوهر الامر ان الانسان لا يعرف شيئا عن نفسه التي بين جنبيه والتي وصفها الرسول الاعظم محمد صلواة الله عليه وعلى اله وسلم بانها اعدا اعداء الانسان وجعل جهادها اكبر واعظم من جهاد الاعداء الظاهرين* , لا بل لا يعرف شيئا عن كيانه كله كذات انسانية متكونة من نفس وقلب وعقل , ذلك ان النفس قد حجبته عن كل مستويات ذاته هذه وبالتالي حجبته عن الروح وادخلته في وهمية العبادة ونومته في احضان صفاتها الظلمانية , لذا فان اساس التعبد الخالص هو فصل النفس وتقييدها والسيطرة عليها وتحرير الذات الانسانية منها , وبعد ان بينا في ما سبق من حقول الموقع مستويات العبادة وان افضلها هي عبادة الاحرار* وليس غيرها فقط هي الكفيلة بتحرير الفرد من قيود الوهم النفسي , لذلك لنتدرج في فهم طبيعة النفس من خلال ما ورد في بحث سماحة المولى المقدس الشهيد الصدر الثاني عن جهاد النفس من كتابه فقه الاخلاق الجزء الثاني باب الجهاد لكي يكون المتعلم على دراية كافية بطبيعة النفس التي يتعامل معها .
ويمكن اعتبار هذا البحث والتفكر والتأمل فيه هو المرحلة الاولى من طريق التعلم :-
المرحلة الاولى:
قراءة بحث جهاد النفس من كتاب فقه الاخلاق الجزء الثاني من فقرة 3 الى فقرة 19 والتأمل والتفكر في كل فقرة واستخراج الفائدة منها وكتابة نتاج التفكر في ملخص يقدم للشيخ المرشد .
ولأجل الفائدة اكثر لنناقش ونستعرض ما جاء في بعض فقرات هذا البحث بشكل مختصر ولاجل تعويد المتعلم عل كيفية فهم مراحل طريق التعلم حيث يمكن اعتباره مثال لكيفية العمل حسب المنهج الاخلاقي العرفاني الحديث
الفقرة 3 جهاد النفس
حيث يستعرض سماحته حديث الرسول صلى الله عليه واله وسلم وهو حديث جهاد النفس ذكرناه سابقا فراجع ويبين في هذه الفقرة عشرة فروق واختلافات بين جهاد النفس عن جهاد الغير , مهم جدا للمتعلم قرائتها بعناية وتركيز ليفهم كما قلنا طبيعة النفس واماريتها وانها كذلك التنين الخرافي ذي السبع الرؤوس فكلما قطعت له راسا نبتت فورا في محله سبعة رؤوس ولن يموت ما لم تعرف مقتله يعني محل ضربته القاتلة التي لا قيام له بعدها , هذا اذا لم تفر منه وتكف عن قتاله او تضعف عن مبارزته , ومن هنا صح القول المسموع :
اشجع الناس من جاهد نفسه
وعداوتها ليست قليلة ولا هينة لانها لو اعطى الفرد لها الفرصة وارخى لها الرسن فانها توقعه في اضرار الدنيا والاخرة فالنفس مصدر الشهوات والشهوات ليس لها عقل اذن فالنفس ليس لها عقل والنفس غير العقل في باطن الانسان ومن هنا ورد في الدعاء في وصفه اثر النفس على العبد :
انها تسلك بي مسالك المهالك وتجعلني عندك اهون هالك -1
الفقرة 4 . تحكيم العقل في النفس
المفروض في الفرد اذا كان فاهما لخير دنياه وآخرته , ان يحكم عقله في نفسه لا ان يحكم نفسه في عقله ويكبح به شهواتها ولذاتها ويأخذ منها عبوديتها للعقل وان أبت ذلك وتمردت عليه .
الا ان هناك فقرة صعبة لا يجب ان لا يهملها الفرد , وهي ظاهرة موجودة في كل الافراد الا من عصمه الله , وهو ان النفس يمكنها ان توهم الفرد ان حكمها هو حكم العقل فيجب الاخذ به , او ان تأخذ بحكم العقل فعلا ولكنه قد يكون حكما خاطئا , او ان تستخدم العقل لأجل تذليل مصاعب شهواتها واهدافها الدنية , كمن يفكر ويخطط بعقله لأجل ان يسرق او ان يزني او ان يشرب الخمر .
وفي كل ذلك سيلبس الحكم ثوب كونه عقليا , ويتخذ بنظر صاحبه قدسية واهمية فيتحمس من اجله في حين انه يكون هاجس نفسه وشيطانه , وهذا غير مسألة التفات الفرد الى ان الحكم يجب ان يعصى او ان يكذب اذا لم يثبت انه من العقل او اذا ثبت كونه من النفس , فان اغلب الافراد لا يؤمنون بذلك ولا يلتفتون اليه , بل يجدون ان اغلب طموحاتهم ورغباتهم مشروعة وواجبة التنفيذ , ويعتبرونها حاجة ضرورية لابد من السعي لأنجازها .
في حين ان الفرق بين حكم العقل وحكم النفس لا ينبغي ان يخفى , فان النفس ليس لها احكام نظرية , وانما هي الرغبة والشهوة والطمع واوضح امثلته الجوع والعطش والغضب , فكما يستهدف الفرد شرب كأس من الماء قد يستهدف الشهوة او سرقة بناية او الاستماع الى اغنية حلوة للنفس .
اما ما قد يقال من ان التخطيط لأنجاز ذلك هو من احكام النفس فغير صحيح , لانه إنما من احكام العقل الا انه حكم بذلك بصفته عبدا للنفس ومنفذا لأغراضها ومن هنا نسب الى النفس مجازا لأن لها نحوا من التسبب به لها
اذا فالنفس والشهوات لا عقل لها بل انها تستغل العقل
وهكذا التأمل والتفكر في باقي فقرات البحث الى تتم قراءة كل فقرة واستخراج الفائدة منها , وانما تناولنا فقرتين فقط منه لأجل تعويد المتلقي عل كيفية العمل حسب المنهج الاخلاقي والعرفاني الحديث والا لو تناولنا باقي فقرات البحث بالتأمل وتفكيك عبارات السيد الشهيد لاحتجنا الى بحث او كتيب مستقل .
المرحلة الثانية:
ضرورة وجود الشيخ المرشد
وهي الجوهر والاساس الذي يقوم عليه طريق العرفان قديما وحديثا .
طبعا هنا سوف نعطي لمحة بسيطة فقط عن الشيخ المرشد وضرورة خضوع المتعلم لتوجيهاته حيث سوف نخصص حقل مستقل عنه في هذا الموقع , وايضا نستعين هنا ببحث السيد الشهيد الصدر الثاني انف الذكر الذي الزمنا المتعلم بقرائته والتأمل بكل فقرة من فقراته , ومنه يجب على المريد ان يقتنع قناعة تامة بأنه لا مفر في مواجهة النفس الا من خلال الشيخ المرشد , حيث يتناول سماحته هذا الامر بشكل مقنع وبديهي وهو ضرورة وجود المرشد والموجه في طريق جهاد النفس .
حيث يذكر سماحته في فقرة 16 من بحثه عن الجهاد الاكبر وهو جهاد النفس ما نصه :
انه لو اريد الضبط الكامل او المتكامل فلابد من السير
تحت اشراف عارف وموجه ولا يمكن ان يكون بدونه
لأنه ينتج تبذر الجهد والوقت وتعذر الحصول على الهدف
والمفروض بالموجه والمرشد ان يكون بمنزلة الطبيب
يعرف الداء والدواء والا لم يصلح ان يكون مرشدا البته
والحاجة الى المرشد او الشيخ ضرورية حتى قيل في الحكمة
من لا شيخ له فشيخه الشيطان
وبشكل مختصر لكي لا اطيل عليكم لماذا ضرورة وجود الشيخ المرشد ؟
وهذا المفروض انتم لوحدكم يجب ان تستنجوه ولكن لا بأس بالمساعدة البسيطة من خلال الاستدلال بمنطق العقل :-
بعد ان عرفنا ان كل ما يصدر من الفرد تسيطر عليه النفس مهما فعل فهو لن يخرج من دائرة النفس فكل افعالك تصدر بدافع نفسي في كل نواحي الحياة وفي العبادة بشكل خاص , وخاصة بعد ان تستنتج ذلك وتفهمه من خلال اتمام المرحلة الاولى تجد انه لابد ان تستعين بشخص خاض قبلك غمار محاربة النفس وعرف خباياها ووصل الى مرحلة معتد بها من السيطرة على النفس لكي يرشدك الى اول مراحل طريق العرفان والتربية الاخلاقية والروحية بكافة مستوياتها البسيطة او المعمقة , وهي قاعدة منطقية وعقلية معمول بها في جميع نواحي الحياة فاذا اردت ان تصبح مختصا او حامل شهادة باي مجال علمي ادبي طبي وغيره لابد لك من معلم ومرشد له خبرة ودراية في هذا المجال لكي يهديك ويعلمك اسرار المهنة او التخصص الذي اردت ان تكون خبيرا به وللفائدة اكثر تأملوا بقصة موسى والخضر التي وردت في القرآن .
المرحلة الثالثه:
معرفة الهيكل العام لطريق العرفان (جهاد النفس) والتربية الاخلاقية والروحية ولو معرفة بدائية بسيطة لذلك سوف نتكلم عن مراحله بخطوط عريضة ولابد لك ايها المتعلم اللبيب ان تحصل وتستنتج الجزئيات من خلال مسيرك نحو الله واتباعك للتعاليم وللتكاليف التي سوف تتلقاها من شيخك المرشد الذي سوف يهيئه الله لك عند حصول الاستعداد الداخلي لديك فاذا كمل وتم الاستعداد حصل الاستحقاق ولا يظلم ربك من استحقاقك شئ حاشاه تعالى عن ذلك علوا كبيرا .
حيث يتكون العرفان من اربعة اسفار , وسمية اسفارا نسبة لكون الانسان يكون مسافرا الى ربه وحقيقته كما يقول سيد العارفين علي عليه السلام :-
( اهٍ من قلة الزاد وطول الطريق وبعد السفر ) 2
( حيث ان جوهر العرفان من حيث المسير هي الاسفار الاربعة التي يمر بها المريد في مسيره التكاملي وهذه الاسفار هي المدار للوصول الى المعرفة الحقة , فكل من سلك طريق العرفان وجهاد النفس دخل هذه الاسفار وهي تحوي مقامات واحوال كثيرة )3 يعرفها المريد من قبل شيخه في البداية في مرحلة الطاعة العمياء* ومن ثم يعرفها هو وحده تدريجيا عند انتقاله الى مرحلة الطاعة المبصرة* .
{ فهي اسفار دائرة الوجود التي منه واليه , وهذه الاسفار تحتاج الى الاستعداد المؤهل للمسير فيها , ولكل سفر استعداده الخاص به , فكل من اراد الله بالمعنى الحقيقي سافر اليه والسفر اليه داخلي حيث التجلي اكبر ولانه سبحانه اقرب اليك من حبل الوريد صار السفر من القرب الاول , ولكنه سبحانه بعده لا متناهي فيكون قريب بعيد , الا ان السفر اليه من حيث هو بعيد لا من حيث هو قريب لان قربه مطلق فيوجب التوقف بل عدم المسير , اما من حيث البعد فيكون الدخول اليه منه وكما يقول الامام السجاد عليه السلام ( ولم تجعل للخلق طريقا الى معرفتك الا بالعجز عن معرفتك ) فالعجز هو دخول في القدرة اي من قدم العجز الحقيقي لله اعطي القدرة , فلا وصول لله الا بالله بما انه ( لا يعرف الحق الا الحق ) وكذلك ( اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة واولي الامر بالامر بالمعروف والعدل والاحسان ) كما قال الامير عليه السلام , وكذلك قوله ( يا من دل على ذاته بذاته ) }2
ولكل سفر من هذه الاسفار تسميته الخاصة به والنابعة من طبيعة العمل فيه وهي كالتالي من الادنى الى الاعلى صعودا :-
-السفر الاول – وهو سفر من الخلق الى الحق
-السفر الثاني – وهو سفر من الحق الى الحق
-السفر الثالث – فهو من الحق الى الخلق
-السفر الرابع – فيكون من الخلق الى الخلق
وسوف نترك الكلام عن طبيعة كل سفر وتفاصيله الى قادم الابحاث في الموقع لكي لا يطول بنا المقام في هذا التفصيل المبسط عن الاسفار , ما خلا السفر الاول حيث سنتكلم عنه هنا بشكل تفصيلي لحاجة المريد الماسة لمعرفة بداية الطريق واهمية المرحلة الاولى منه لذلك وجب توضيح القدم الاول الذي يجب ان يخطوه المريد والباقي يأتيه ان شاء الله كما ورد في الحديث ( من تقدم الي شبر تقدمت اليه ذراع , ومن تقدم الي ذراع تقدمت اليه باع )3 وهذا ما يسمح لنا تبيانه والباقي لابد ان يكشفه الله لمستحقيه .
1-السفر الاول
من الخلق الى الحق
وهذا السفر هو انتقال من الانسانية بالمعنى الخاص ( الخلق ) اي الافعال والصفات الانسانية الظلمانية في المستوى الاول والنورانية في المستوى الاخر , هذا بالنظرة الوهمية حيث ان هذه الصفات تكون ظلمانية لانها المستوى الداني من النفس , وهذا السفر هو ليس انطلاقة الى الحق المطلق بالمعنى المعبر عنه بالسفر بل انه تهيئة لسفر اكبر واطول منه , اي انه استعداد ومرحلة اعداد وبناء اسس متينة للدخول للعرفان الحقيقي ولكنه مهم جدا لان بدونه وبدون تحصيل الاستعداد الذي فيه لا يمكن الولوج والدخول الى باقي اسفار طريق الله وعبادة الاحرار .
فهو سفر جهادي تجريدي اكتسابي اي بمعنى ان الانسان اذا اراد السفر الحقيقي الى الله فعليه ان يبدأ بنفسه وذاته فيجردها من كل العوالق والحجب النفسية الظلمانية والنورانية التي تحجبه عن مطلبه الاسمى .
فوجود هذه العوالق والحجب يحجب الانسان عن السفر نفسه , ففيه يتجرد الانسان من الصفات النفسية الوهمية والصفات الغريبة الموجودة في النفس والحاصلة نتيجة المكوث الطويل في عالم النفس الوهمي وتراكماته عبر سنين الانحجاب عن الحق والحقيقة والبقاء في براثن النفس وعبادتها .
وفيه يقيم المريد او يمر في مقامات عديدة يكتسب من خلالها الصفات والاخلاق الالهية بعد ان يتجرد من صفات النفس الظلمانية الوهمية بعد المعايشة الحقيقية لكل مقام فيتولد لديه استعداد لتقبل احوال وتكاليف المقام الذي بعده وهكذا يتدرج صعودا حتى يكمل مقامات هذا السفر .
وفيه يتم تقييد النفس بالمخالفات والمجاهدات والرياضات الروحية والاخلاقية وغيرها من تعاليم وتكاليف هذا السفر فتقيد النفس لتنطلق الروح , فالغاية الكمالية فيه تكمن بطرح وتجريد القلب من جميع حجبه وعواطفه فان اعظم حجب القلب هي العاطفة وغيرها من الحجب القلبية الاخرى .
ومن اصول هذا السفر والمراحل الاولى منه يكون العمل عل عكس الرغبات النفسية ومعرفة سيطرة النفس على الانسان وكيفية التخلص من هذه السيطرة .
ولكي نخرج من اطار المصطلحات والمفاهيم الصعبة على فهم المتلقي سوف نطرح بشكل عملي كيفية خوض بدايات السفر الاول وخاصة المقام الاول منه وهو مقام الظاهر لكي يكون عينة ومثال تطبيقي عملي يعمل على اساسه المريد او المبتدأ في هذا الطريق , كذلك نعطي فكرة عملية عن باقي مقامات السفر الاول :-
المقام الاول من السفر الاول
مقام الظاهر:
ويحتوي على عدة مراحل هي :-
-الاولى . معرفة علاقة الشريعة بالعرفان وما تمثله من اهمية له
التفريق بين الظاهر التعبدي النفسي والظاهر التعبدي الحقيقي الخالص لله
-الثانية . معرفة اهمية ودور الاخلاق والمنهج الاخلاقي الوسطي وربطه بين الظاهر والعرفان ( الباطن)*
المستوى الاخلاقي النفسي والمستوى الاخلاقي الحقيقي والفرق بينهما
-الثالثة . الاتصاف بالصفة او الخلق الالهي والتجرد من الصفة النفسية المضادة والمقابلة للصفة والخلق الالهي ( تفعيل الصفة )
المرحلة الاولى
-معرفة علاقة الشريعة بالعرفان وما تمثله من اهمية له
-التفريق بين الظاهر التعبدي النفسي والظاهر التعبدي الحقيقي الخالص لله
-معرفة علاقة الشريعة بالعرفان وما تمثله من اهمية له
وهنا وقبل الشروع باي امر او تعليم عملي لابد من اعطاء المريد مقدمة وهي عبارة عن محاضرة تعريفية بعلاقة الظاهر من الدين والشريعة الاسلامية الذي كان ولايزال المريد فيه بباطن الدين والشريعة المتمثل بالمنهج العرفاني والاخلاقي والتربية الروحية الذي يروم الخوض فيه واكمال مسيره نحو الله , لان الدخول في اي طريق دون معرفته يعد دخولا ناقصا ربما بل اكيدا لا يوصل الى مستوى اعلى من اجل احراز القناعة واليقين بذلك الطريق لان النفس من اكبر اعداء الحق لذا اصبح لزاما اقناعها بشكل استدراجي له :-
نستقطع اجزاء من هذه المحاضرة التعريفية هنا لاتمام الفائدة :-
فأول هذه المقدمات واهمها هي معرفة علاقة الشريعة بالعرفان وما تمثله من اهمية للباطن الجزء المخفي على الناس من الدين والشريعة كما ذكرنا سابقا فالشريعة تمثل المقام الاول في النظام والمنهج العرفاني الاخلاقي بكافة مستوياته , والمسمى حسب مقامات السير الى الله بمقام الظاهر والذي يمكن تسميته اصطلاحا بوابة العرفان وبدون الباب لا يمكن الدخول الى البيت .
حتى وصل الامر الى الشريعة المحمدية الخاتمة الكاملة لما تحويه من احكام ظاهرة وباطنة في تهذيب وتقييد النفس والانطلاق بالكمال الانساني نحو الغاية المنشودة كما ورد في دعاء الندبة ( ومن اليه الرجعى والمنتهى ).. فكان بعد ان احاط الانسان المسلم بظاهر الشريعة واكمال المراد منه طوليا وليس عرضيا كان لابد له ان ينظر الى ما بعدها , فالاسلام لا ينتهي بالواجبات والمحرمات انما هو اوسع من ذلك , فهو دين متكامل يتطور بتطور مستوى الانسان .
وهكذا يعطى المريد عدة محاضرات تعريفية في بداية طريقه وفي بداية كل مقام من مقامات العرفان , وهنا يتجلى ويتداخل العرفان النظري بالعملي كما اوضحنا سابقا .
– التفريق بين الظاهر التعبدي النفسي والظاهر التعبدي الحقيقي الخالص لله وحده
وبعد الاطلاع على المحاضرة التمهيدية وتوضيح الغامض منها من قبل الشيخ المرشد تأتي تكاليف عملية مهمة جدا الهدف منها التفريق عمليا بين العبادة الظاهرية النفسية والعبادة الظاهرية الخالصة لله , وهي تعتمد على فهم وتدبر المريد لما يريده الشيخ المرشد من اعطاء مثل هذه التكاليف خاصة في هذا المقام لانها سوف تكون عبادية تعبدية مثل التي كان يؤديها سابقا قبل ان يوفقه الله لدخول هذا المنهج والطريق الرباني اذا لابد له اي للمريد ان يفكر لماذا يعطيه الشيخ امورا كان يؤديها سابقا وما هو المقصد من وراء هذا التكليف ؟
ويمكن اعطاء لمحة بسيطة عن التكاليف المعطاة من قبل الشيخ المرشد واختلافها عما كان يؤديه المريد قبل الخضوع والدخول لطريق العرفان وسوف نتكلم عن هذا الامر بشكل اوسع في حقل خاص بالشيخ المرشد كما ذكرنا ذلك سابقا :-
ان طريق الاخلاق والعرفان طريق باطني دقيق جدا فكل عمل وفعل يجب ان يحسب بشكل دقيق جدا من قبل الشيخ المرشد كونه اصبح مسؤولا عن النظام الباطني للمريد اي النظام النفسي والقلبي والعقلي , ومن قبل المريد بعد ان يعرف تدريجيا ان العرفان هو نظام بنائي تربوي مركز ينصب على تغيير الانسان في جميع الامور خاصة مسألة الدين والاخلاق والعقيدة , لذلك ينبغي الحذر من الطرفين وهذا كله يبينه الشيخ المرشد تدريجيا للمريد حتى لا يتيه عليه الامر .
حيث ان مجمل التكاليف في هذه المرحلة من مقام الظاهر , التي تعطى للمريد من قبل الشيخ المرشد اغلبها واجبات ومستحبات ظاهرية تعبدية فمن خلال تأديتها التفكر بها وتأملها سوف يصل الى جوهر واساس مهم من اسس المنهج الاخلاقي العرفاني الا وهو :-
التفريق بين الظاهر التعبدي النفسي والظاهر التعبدي الحقيقي الخالص لله
في البداية علينا فهم ما المقصود بالظاهر التعبدي النفسي
والظاهر التعبدي الحقيقي الخالص لله
ومن ثم يتسنى لنا التفريق بينهما
وهو الذي على المريد معرفته من خلال معايشته للتكاليف المعطاة له من قبل الشيخ المرشد ان يستنتج هذا الامر بعد التفكر وبذل الجهد مع مساعدة الشيخ لابد له ان يتوصل الى حقيقة العبادة التي كان يقوم بها قبل ان يوفقه الله لدخول المنهج العرفاني والاخلاقي والسير فيه وما هو اختلافها عن العبادة بعد الدخول الى العرفان وجهاد النفس والتخلق بالاخلاق الالهية وهنا سنعطي لمحات واضحة بسيطة مفهومة للمتلقي عن كلا المفهومين والتفريق بينهما :-
– فالظاهر التعبدي النفسي : هو اداء العبادة بدافع ونية نفسية من حيث يشعر الفرد ام لم يشعر
بما ان النفس كما بينا سابقا هي المسيطرة على الانسان وان لا مفر من هذه السيطرة الا بكسرها من خلال الاستعانة بموجه ومرشد كان قد سبقه في هذا الامر واستطاع ان يخرج من دائرة النفس , سوف يتبين للمريد من خلال تفكره بتكاليف مقام الظاهر ومعايشتها ان كل ما كان يؤديه من عبادة لله , ماهي الا عبادة خالصة للنفس وليس فيها نية خالصة لله الا النزر القليل لان الاساس في كل عمل هي النية وخلوصها من اي طلب نفسي , فكيف تكون العبادة هكذا وهي صادرة من النفس اصلا وهو ما يسمى الاشراك الخفي في نية القربى لله , ومن هنا سوف يعيد التفكير بكل ما كان يفعله ويتداركه من خلال المضي قدما على في القضاء على السبب الرئيسي للاشراك في النية وهي النفس ومحاولة تصحيح* اغلب اموره التعبدية بمساعدة الشيخ المرشد , فيوحد ارادته ويركزها على محاربة ومجاهدة العدو الاوحد والاكبر له وهي النفس ومن هنا ينتقل الى الظاهر التعبدي الحقيقي الخالص لله .
– الظاهر التعبدي الحقيقي الخالص لله وحده
وهو الاساس الحقيقي والجديد الذي سوف يسير عليه المريد في مقامه هذا وكل الذي يأتي بعده حيث سوف تتجلى له تدريجيا عبادة التحرر من النفس , لكن كيف يتم ذلك في هذه الخطوة الاولى له في هذا الطريق والنهج الالهي ؟
بعد ان تبين له في من خلال ادائه لتكاليف الظاهر التعبدي النفسي زيف وتلاعب النفس بكل امر تعبدي, وكما ذكرنا لابد له لاكمال الخطوة والقدم الاول نحو الله ان يعيد النظر في كل امر عبادي كان يؤديه ويصححه حسب ما تبين له ليكون ظاهره التعبدي حقيقي وخالص لله وحده وهذا ما سوف يعمل عليه بتوجيه من الموجه والمرشد الشيخ حيث سوف يتلقى التكاليف الخاصة بالظاهر التعبدي الالهي ونترك تفصيل ذلك لان لكل انسان مريد وطالب وجه الله خصوصية يختلف بها عن غيره وهذا ما يتكفل به المرشد مع كل المريد .
وهكذا تبين لنا الفرق بين الظاهر التعبدي النفسي والظاهر التعبدي الالهي ولا نستطيع الكشف اكثر لكي لا يختلط الامر على المبتدأ حيث لابد ان يعطى جرعات بسيطة وتدريجية ليسهل عليه بدأ المشوار .
المرحلة الثانية :من مقام الظاهر:
-معرفة اهمية ودور الاخلاق والمنهج الاخلاقي الوسطي وربطه بين الظاهر والعرفان ( الباطن)*
-التفريق بين المستوى الاخلاقي النفسي والمستوى الاخلاقي الحقيقي
-معرفة اهمية ودور الاخلاق والمنهج الاخلاقي الوسطي وربطه بين الظاهر والعرفان ( الباطن)*
وكما عملنا في المرحلة الاولى من مقام الظاهر نشرع ايضا هنا في المرحلة الثانية منه في اعطاء الطالب او المريد محاضرة تعريفية بالاخلاق واهميتها ودورها في المنهج العرفاني الحديث وتبيان موقعها وعلاقتها بطريق العرفان والتربية الروحية , نستقطع اجزاء منها هنا من اجل اتمام الفائدة :-
…… تعتبر المرحلة الاخلاقية او المنهج الاخلاقي مبدأ اساسي وجوهري لدخول العرفان والتربية الروحية والتسامي في مقاماته , فالاخلاق هي الرابط الحقيقي بين ظاهر الدين التعبدي وبين باطنه وعمقه الروحي , لان الاخلاق اوسع واكمل من الشريعة الظاهرية ففيها يكون الدخول في المعنويات اذ ان الشريعة هي عبادات جسدية , اما الاخلاق فهي جامعة للقسمين المادي والمعنوي الروحي , وبذلك تكون هي الرابط بين ظاهر الاسلام وباطنه .
فتكون الاخلاق :- عبارة عن استعدادات تربوية للنفس لدخول العرفان مع وجود الفوائد المستقبلية منها في المقامات الاعلى فاساس السفر الاول كله هو التخلق باخلاق الله , فمن الصعب على الفرد ان يدخل طريق التكامل والرقي الروحي دون المرور بمرحلة الاخلاق وبقاء فائدتها معه على طول الطريق لان ذلك يؤدي الى التوقف والانحجاب في مستويات اخرى من العرفان , وقد هلك الكثير من اهل المعرفة لاهمالهم الجانب الاخلاقي , يكفينا قول الامام الحسن عليه السلام ( نحن اهل البيت ظاهرنا الاخلاق وباطننا المعرفة )
ومدار الاخلاق يكون في تطهير ساحة القلب من الرذائل النفسية ثم زرع الفضائل الروحية ….. فاحياء القلب كأحياء الارض وذلك بقلع المضر وزرع النافع مع رعايته ومن خلال هذه المرحلة تتكون بعض السيطرة على النفس وقطع بعض الحبائل النفسية المسيطرة على الفرد .
فالاخلاق هي مرحلة واجبة الدخول كوجوب العبادات الظاهرية بل هي اشد وجوبا منها فكل من ان اراد الله تعالى وجب ان يصل اليه متأدبا ومتخلقا بأخلاقه التي تؤهله لدخول طريق العرفان والقرب الالهي , فقد وصف الله تعالى رسوله الكريم في القرأن ( وانك لعلى خلق عظيم ) – القلم 4 – كذلك قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ( ادبني ربي فأحسن تأديبي ) 5.
– ايضا نوصي دائما في هذه المرحلة بقراءة كتاب فقه الاخلاق بجزئيه اطلاع بسيط ورؤية الاهمية التي تتمتع بها الاخلاق كونها الرابط الحقيقي بين ظاهر الدين وباطنه والتعرف على اسلوب المولى المقدس السيد الشهيد الصدر الثاني وهو المؤسس للمنهج العرفاني الاخلاقي الروحي الذي نحن بصدده .
-التفريق بين المستوى الاخلاقي النفسي والمستوى الاخلاقي الحقيقي
ولاجل اتمام الفائدة لابد لنا هنا من توضيح :-
ما هو المستوى الاخلاقي النفسي
ما هو المستوى الاخلاقي الحقيقي
وكيف نميز ونفرق بينهما
– المستوى الاخلاقي النفسي ( الاخلاق النفسية )
بينا في شرحنا الاولي لمقام الظاهر وقلنا عنه انه تطهير وتخليص ظاهر الانسان المسلم من كل الشوائب والاوهام النفسية المتغلغلة في كل ما يقوم به الفرد وتحوله الى صالحها سواء كان عبادة او خلق , وبالتالي ايصال الفرد الى اتمام هذا المقام الاولي من العرفان وجعله الاساس الذي ينطلق منه نحو المراحل الاعلى فمن ليس له ظاهر لا يمكن ان يكون لديه باطن , وهنا نتم عملنا هذا بتوضيح المرحلة الثانية والاخيرة من هذا المقام وهي المرحلة الاخلاقية لذا توجب علينا فرز وتبيان الاخلاق المبنية على اساس نفسي او قل الاخلاق النفسية
وبحسب المعطى من تكليف او توجيه للمريد من قبل شيخه المرشد في التفكر في الاخلاق التي كان ولا يزال متخلق بها وفي جميع اخلاق اهل الظاهر النفسي وهل هي من وضع النفس او انها مشتركه فيها ام انك اكتسبتها من اهلك عبر التربية او من مجتمعك او من اي مكتسب اخر فهي لا تعدو ان تكون فضائل وصفات اخلاقية بنيت على اساس نفسي او موروث عائلي او مجتمعي مذهبي طبعا ليس كلها فهناك الخير منها الذي سنقوم بتثبيته فقط نقلع جذور النفس منه , فهناك الكثير مما نعتبره فضائل هي في واقعها رذائل والعكس صحيح , لذا وجب هنا على المريد التبحر في واقع ما يتمتع به من اخلاق ويعرضها عل ميزان مهم جدا وهو :-
س . هل للنفس سهم فيها ام لا ؟
نعم فمن خلال التأمل والنظر المعمق ستجد ان كل ما بني عليه ظاهرك من عبادة صعودا الى الاخلاق ما هي الا من صنع ونتاج نفسي وموروث ديني وعرفي واجتماعي اي ان الامر المشترك في كل هذا هو انها ليست الاخلاق التي امرنا الله باتباعها في القران وما حثنا عليها الرسول الاعظم وال بيته الطاهرين صلى الله عليهم وسلم اجمعين وهي التخلق باخلاق الله كخط الهي عرفاني صافي ونقي من ظلمانية النفس واشراكها وبالتالي جعلها اساس القرب والمسير نحو معرفة الله تعالى , وبالاخص لدى الفئة الاولى والثانية من فئات العباد الثلاثة وهما عبادة العبيد وعبادة التجار*, فمثلا بعدك عن الرياء وحسن السريرة والامانة وغيرها من الامور الاخلاقية سوف تكتشف انك كنت تعملها من اجل عدة مقاصد وليست خالصة لله وحده وهو ما نسميه الاشراك في العمل تعبدي كان او اخلاقي , ومن خلال فترة زمنية محددة تقضيها في هذه المرحلة يتبين لك حجم التدخل النفسي في كل الاخلاق التي كنت تعتقد بانها خالصة لله فعنئذ ستحتاج الى تخليصها من تدخل النفس وشركها الخفي في كل ما تعمله لذا وجب علينا الانتقال الى مرحلة التطهير الاخلاقي والتخلق الحقيقي .
– المستوى الاخلاقي الالهي ( التخلق بأخلاق الله )
فبعد ان تبين للمريد بشكل بين وواضح كيف ان النفس متداخلة في كل عبادة بل وفي كل عمل عبادي كان او اخلاقي , فينكشف له ان كل ما كان يفعله قبل الدخول والتعمق في هذه المرحلة ليس لله منه الا النزر القليل , فيتوجب عليه حينئذ ولا بد له من اجل مواصلة طريه نح العبادة الحقة والمتحررة من كل اشكال العبودية للنفس , الدخول في مرحلة التطهير الاخلاقي من ادران النفس وظلمتها , عندئذ سيكون المريد الذي وصل الى هذا اليقين على مشارف اتمام مقام الظاهر وهو بذلك يكون قد اتصف وتخلق بخلق وصفة الظاهر الالهية وتجرد وتخلص من صفة الظاهر النفسية , فمقام الظاهر مرحلة انتقالية او كما قلنا سابقا هو بوابة تنقل المريد من ظاهر الدين الى حقيقة وباطن الدين اي العرفان والتاربية الاخلاقية الروحية .
ويكون كل ما تقدم استعداد لمرحلة تعتبر طويلة نوعا ما وهو الدخول في مقامات السفر الاول , وهذا ما يدور حوله السفر الاول بمقاماته كما اوضحنا سابقا , وهي مقامات او مراحل اخلاقية تكاملية يتخلص بها من الصفات النفسية الظلمانية والتخلق والاتصاف بالصفات والاخلاق الالهية الحقة , ففي كل مقام من هذه المقامات يتجرد من اكثر من صفة نفسية ويتصف ويتخلق باكثر من صفة وخلق الاهي حسب اسم ودرجة المقام وموقعه من خط الكمال , فديدن هذا السفر هو اعداد وتصفية المريد لتقبل الصفاء المعنوي القلبي , المتمثل في عملية التخلي والتجلي والتجرد والاكتساب من الصفات والاخلاق الالهية التي في الاصل موجودة فينا لكن النفس حجبتنا عنها منذ نزولنا من العالم الاعلى الى العالم الادنى .
وبذلك نكون قد انتهينا من اعطاء شرح تفصيلي عملي مبسط عن كيفية الدخول للعرفان والخضوع لمنهج التخلق والتربية الروحية , حيث ان كل ما بيناه هو مثال عملي لكيفية التعامل والتكيف في مراحل ومقامات السفر الاول تحت اشراف الشيخ المرشد والموجه وقد اتخذنا تفصيل مقام الظاهر وهو بداية ومقدمة المنهج لكي يكون لدى المتلقي فكرة واضحة عما سيكون عليه باقي السفر ومقاماته , فنرجو من الله ان نكون قد وفقنا في ايصال الامر بشكل مبسط .
– وفيما يلي تبيان وتعداد مقامات السفر الاول :-
– مقام الظاهر
– مقام المخالفات والمجاهدات
– مقام التوبة
– مقام الزهد
– مقام الشكر
– مقام التجرد المادي والمعنوي
– مقام المحبة او العشق
– مقام التوكل
– مقام الرضا
– مقام التسليم
وكما بينا وشرحنا واتخذنا المقام الاول مقام الظاهر كمثال عملي تطبيقي سيكون الدخول لهذه المقامات حسب توفيق الفرد المريد واستحقاقه .
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
……………………………………………………………………………………………….
(1) مناجاة الشاكرين
(2) نهج البلاغة ج4 ص17
(3) كتاب فيوضات من الباطن الجزء الاول
(4) جامع أحاديث الشيعة – السيد البروجردي – ج ١٥ – الصفحة ٣٦٨
(5) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ٥٨