العرفان تبعا لمنهج السيد الشهيد الصدر الثاني رضوان الله تعالى عليه

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الكرام

العرفان تبعا لمنهج السيد الشهيد الصدر الثاني رضوان الله تعالى عليه

بدايةً لا يمكن حد هذا الفيض العارم، والبحر اللجي الواسع من قبلنا نحن القطرات التي ترشحت من هذا البحر فكيف تحيط القطرة بالبحر، إنما سنكتب ما نلتمس من وجودنا وفنائنا به، ولا زلنا نلتمسه فهو لا محدود ولا مقطوع لأنه متصل بالسماء التي لا حدود لفيضها.
نحن نتكلم عن منهج يعتبر من أهم المناهج، وأكملها منذ مئات السنين من تغييب الحقيقة عن الناس منهج يقدم الأطروحة الكاملة، والحل الأمثل لتكامل المجتمع بمختلف مستوياته النفسية، والعقلية والقلبية بخلاف مناهج تخاطب مجموعة معينة من المجتمع وتهمل الآخرين، وكأن الآخرين غير منظورين من قبل السماء، وأن العرفان والأخلاق لم تخلق إلا لفئة محدودة بينما الله سبحانه وتعالى يخاطب رسوله الأمين ( وما بعثناك إلا رحمة للعالمين ) – الانبياء -7- فلماذا تخصصون نفر ومجموعة معينة بهذه الرحمة العامة للعالمين بذرائع وأسباب واهية تلقي اللوم على العامة بأنها لا تتحمل هذه المستويات من المعرفة، وكأنهم اطلعوا على حقائق وقلوب الناس جميعاً وقدروا المصلحة بدلاً عن الله ونجيبهم كما لو أن المولى المقدس يتكلم : حبيبي الله أعلم منكم بسرائر الناس وهو الذي يقدر، وهو الذي يبعث من هو أعلم منكم بمصلحة الأمة. فبدلا من أن يلقوا اللوم على أنفسهم، يلومون الناس فما دوركم أنتم وماذا قدمتم حتى تلومون المتلقي هل جربتم أن تتوجهوا بالخطاب إليهم، وتلقوا الحجة كما فعل المولى المقدس معهم فكانت النتائج عكس ما صورتموه لنا بل بالعكس أعطانا هذا الرجل مفهوماً جديداً عن حقيقتنا، وما وصلنا له من تكامل لكي نستحق المنهج الأفضل في الأخلاق، والعرفان، والتقرب إلى الله ومعرفته كل حسب استعداده العقلي فعلى رأي السيد ومنهجه الكل يستحق الأفضل للتقرب لله سبحانه وتعالى بشفاعة المعصومين، واتباع منهجهم المبارك.

فكشف لنا المخطط الإلهي المعد لنا بأننا حلقة مهمة من سلسلة تكامل الأمة والبشرية جمعاء فربط بين الأرض، والسماء واستخرج أحسن ما فينا بدلاً من أن يلقي اللوم علينا كالسابقين بأسلوب قل نظيره من السهل الممتنع الذي يصعب تقليده، وأن الجيل الحالي قد تكامل عقلياً وروحياً، وأنه يستحق منهاجاً يليق بمستوى هذا التكامل وهذا ما فعله على أرض الواقع عملياً، فهو كان رجل علم وعمل لا يُنَظر فقط بل يطبق يكفي أنه قال في إحدى اللقاءات وعندما كان تحت الإقامة الجبرية في زمن النظام الصدامي حبيس بيته:
( أنه كان يحس ويشعر بالناس ويعيش معهم كل ظروف الحياة الصعبة فخرج جاهزاً يعلم علماً لدنياً ما تحتاجه الناس، وما وصلت إليه من تكامل)

لذلك كان لزاماً علينا ألا نكتفي بنقل مواقفه، وخطبه ومواعظه فقط، بل نحاول أن نفهم منهجه التربوي في الاخلاق والعرفان وولايته الروحية، وكيف فرضها على كل قلب نظيف، وكيف أسكت المخالفين وحاججهم بالأدلة، والبراهين، والحكمة، والموعظة الحسنة.

المرحلة الاولى : البداية

تمثل العرفان عند المولى المقدس في قاعدة جوهرية وهي البدء من الأدنى صعوداً نحو الأعلى كأساس للتربية الأخلاقية الروحية. حيث البدء في فهم ظاهر الدين المتمثل بتطبيق العبادات الواجبة جميعها وخاصة المعطلة منها كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفريضة صلاة الجمعة ( حج الفقراء )، والكثير من الأمور التعبدية التي كان المجتمع غافلاً عنها، كالمشي في أربعينية الإمام الحسين عليه السلام وغيرها من الأوامر التي كان يطلقها من مسجد الكوفة بالولاية العامة، فجعل من منبر الجمعة مناراً، وبثاً أسبوعياً لتوجيه الفرد، وتربيته ليكون عماد المجتمع ككل فإذا صلح الفرد صلح المجتمع، كما أخبرنا الرسول الأعظم وهو يقول لتلميذه الأول علي صلوات الله وسلامه عليهما :
(يا علي لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت) 1
فجعل من شعيرة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر أمراً واجباً على كل مكلف، فزرع الشجاعة بدلاً من الخوف في قلوب الناس رغم الظروف التي كان يفرضها النظام البعثي بعد أن كانت التقية الزائدة عن الحد تنخر بالفرد والمجتمع الشيعي، لدرجة أوصلته إلى الخنوع والاستسلام للأمر الواقع بحجة التقية، نعم هي واجبة في مثل تلك الظروف، وعدم إلقاء المرء نفسه بالتهلكة لكن سماحته أعطاها للناس على شكل جرعات حتى وصلت إلى مستوى استخدامها بشكل وسطي ذكي لا يمس السياسة بشيء فمهما يكن فالمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، فترجمت هذه الشعيرة المعطلة، وأتت أكلها عملياً في إصلاح الأسرة، في وقت كاد الناس أن ينسوا ما هو الدين، وما هو الواجب وما هو المستحب، وكان تركيز المولى المقدس بدرجة خاصة على جيل الشباب، لذلك نجد أن أكثر شريحة تأثرت بسماحته هي هذه الشريحة لأنه (مقدس) كان يعلم أن بهم سوف يتم تكوين الأساس القوي لقاعدة شعبية مهمة في منهجه الإصلاحي التربوي الجماعي .

أسلوب ومنهج فريد من نوعه كيف أن شخصية واحدة تستطيع أن تربي مجتمعاً وشعباً كان غارقاً في الذنوب، والابتعاد عن الله.
بين ليلة وضحاها أمسى هذا الامر واقعاً جديداً يعيشه الناس يومياً وينتظر الإرشادات الأسبوعية للإصلاح، والتربية من خلال صلاة الجمعة، هنا يظهر الفارق بين المنهج المسدد من السماء عن غيره.
فبدلاً أن تذهب جهوده هباء من أجل إصلاح أفراداً معدودين فإذا به يصلح مجتمعاً رغم ما تعرض له من ضغط وحرب خارجية من قبل النظام والداخلية، حيث بقي وحيداً في الساحة دون ناصر غير تأييد الله ونظرة المعصومين، بل تعدى الأمر إلى التشكيك به وبإخلاصه للمذهب، وللحوزة من خلال بث الاتهامات المختلفة عن عمالته للدولة لأنهم فعلاً لم يعرفوا من قبل شخص وقف وجابه وأسس وأصلح في ظل أعتى نظام قمعي، لذلك لم يصدقوا أنه مخلص ومسدد فنسبوا له العمالة، وقد خاب ظنهم هذا ولم يصدقوا ذلك حتى شاهدوا استشهاده فأتوا إلينا نادمين وكل من عاصر تلك الحقبة يعرف عن أي أمر أتكلم .

منهج تربوي أخلاقي روحي جماعي، وغيره لا يستطيع أن يهدي ويربي حتى نفسه، فعن أي منهج نتكلم؟ ونحن لا ندري كيف فعل ذلك، بل رأينا ثماره العملية تتحقق على أرض الواقع، وها نحن بعد عقدين من الزمان وأكثر نتلمس هذا الأسلوب والمنهج لمعرفة ماذا وكيف ومتى حصل ذلك؟ وكيف دبر الأمر برمته؟ إنه منهج السماء يا سادة إنه التسديد الإلهي المتجدد، فاليوم في منهج السماء يعادل السنة وربما أكثر فما فعله هذا الرجل خلال بضع سنين ومقارنته بالنتائج المتحصلة من هذا الفعل ندرك أنها نتائج لعمل كان المفروض يستغرق ربما ربع أو نصف قرن، فكيف فعله خلال أقل من عشر سنوات إذ لابد أن يكون اليوم في منهجه المسدد سماوياً يعادل سنة أو أكثر والله العالم بأوليائه، وكيفية عملهم هل نقول إعجاز؟ ممكن، ولكننا كنا حاضرين وكل شيء كان يجري بالعمل الشاق وليس هناك من إعجاز، إنما هو الإخلاص وبذل الكل لله فأعطاه الله الكل وعذراً لأننا خرجنا عن الموضوع الأساسي للبحث ولكنها وقائع لابد من ذكرها لفهم المنهج الذي طبقه سماحته.
ولكي نخرج من الأمر بخلاصة فقد أرسى في المرحلة الأولى من المنهج القاعدة الشعبية القوية الفاهمة المتعلمة المخلصة والمستعدة لعمل أي شيء فداءً للمذهب وللدين، وطاعة الله وعليها سوف يؤسس المرحلة التالية من منهجه الشريف.

المرحلة الثانية: المنهج الأخلاقي أو المنهج الوسطي

الربط بين الظاهر، والباطن الأخلاقي العرفاني.

ومن خلال هذا المنهج الشامل الذي تمثل بتوضيح الوجه الحقيقي لوجه وظاهر الشريعة الخاتمة، حتى قيل في وقته أنه دين جديد هذا الذي جاء به محمد الصدر، وفعلاً هو جديد لأن السابقين لم يفهموا ولم يفهموا الآخرين حقيقة الدين ظاهرياً، وأخلاقياً، وعرفانياً، حيث البدء في فهم ظاهر الدين، وكمال الأخلاق المتمثل في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتفعيل هذه الجوانب ظاهرياً، وأخلاقياً، وعرفانياً، في ذات المتلقي تدريجياً من خلال جرعات أعطاها للمجتمع عبر سنوات ثورته الروحية، ومقدمته في كتابه فقه الأخلاق الجزء الأول خير دليل على هذا المنهج، ففي هذا الكتاب يربط سماحته بين الفقه، والأخلاق من خلال التركيز على الجوانب الروحية المرتكزة داخل العبادات، واستخراج حقائق أخلاقية وعرفانية، فإذا نظرنا لها من جوانب كنا غافلين عنها أحياها سماحته من خلال منهجه المتكامل، فربط الظاهر بالباطن بصورة بسيطة ومفهومة للغالبية من المتلقين، ومهد السبيل لفتح أبواباً أخلاقية ومعرفية لمن يستحقها .

لذا فلنتأمل في كلمات محقق الكتاب سماحة الشيخ كاظم العبادي الناصري حيث قال ممهداً:
{ …. حيث نظم لنا سماحته سطوراً من نور لآلئ الحكمة والمعرفة لتشكل عقداً ملكوتياً ينفذ في أغوار الشريعة ليمخر عبابها، ويأتينا بما لا عين رأت ولا أذن سمعت بأسلوب حير العقول، حيث تجده مناسبا للمبتدئ الناشئ وللسالك السائر وللعارف الواصل …. الذي إن دل على شيء فإنه يدل على تمكن صاحبه من هذين العلمين الفقه، والأخلاق إذ لولا هذا التمكن لما استطاع أن ينصب جسراً بين الظاهر والباطن}
وأرجو التركيز على أنه (نصب جسراً بين الظاهر أي العبادات والباطن أي الأخلاق والعرفان) كل ذلك أخرجه من الشريعة المحمدية الظاهرة لنا حقيقتها في أبسط العبادات، ولم نكن نراها قبل مجيئه المقدس، حيث بين لنا من خلال هذا النهج المبارك أن للشريعة بطناً بل سبعة بطون بل سبعين بطناً.

كذلك فالنظر إلى كلامه المقدس في مقدمته للكتاب حيث قال:
(أن المستوى الأخلاقي المعمق يبدأ من الصفر، أو المستوى الضحل للفرد فماذا سوف يكون المطلوب من هذا الفرد الاعتيادي إذا أراد أن يسير في هذا الطريق لأول مرة؟
هناك عدة أجوبة على ذلك إلا أن أصحها حقيقة وأقربها للفهم العام للكتاب، والسنة هو الخطوة الرئيسية والأهم في هذا الصدد، هو الالتزام بالشريعة الظاهرية، أو التعاليم الفقهية حتى إذا ما حصل ذلك الإخلاص كان الفرد مستحقاً للخطوة الثانية في الكمال)

أسلوب فريد من نوعه في الربط بين أجزاء وأقسام التشريع المحمدي الإلهي، لذلك يقول سماحته مسترسلا في مقدمة كتابه:
( ….. وبهذه المستويات الأربع أمكننا البرهنة على التلاقي والتلاقح الكامل بين الفقه، والأخلاق حتى يمكن أن يقال أن أحدهما عين الآخر، وإنما تنشأ المغايرة الظاهرية، أو المعروفة بينهما من القصور والتقصير)
وبالفعل فإنه طبق ما جاء في كتابه عملياً على المجتمع فهذا الكتاب يعد مرجعاً، ومفصلاً مهماً في أطروحة ومنهج السيد في العرفان والتربية الأخلاقية، والروحية والذي يريد المزيد أنصحه أن يراجع هذا الكتاب المهم فإن فيه كما قال سماحته جواهر تحت التراب.

بل النصح الأفضل متابعة كل ما صدر منه كتابياً، أو صوتياً فلقد جذبت مؤلفاته التي أغنت ولا زالت المكتبة الإسلامية عموماً والشيعية خصوصاً (طبعاً هذا يعد ضمن منهجه الأخلاقي العرفاني المحدث) جذبت وأثرت على عقلية كل مثقف، وأكاديمي فاستقطب بهذا الفكر الثاقب كل المستويات العقلية والعلمية إليه، فكر يحاكي العقل والمنطق ويؤسس لشراكة بناءة بين الحوزة، والطبقة المثقفة الواعية من المجتمع بعد أن ملت ويئست أجيال من هذه الفئة من أساليب الحوزة التقليدية فلم يعيروها الاهتمام حتى جذبهم هذا الصوت الهادر، والفكر الثاقب لدرجة أن معظم من تقدم الى الانضمام للحوزة الشريفة ذلك الوقت ولا زال حتى وقتنا هذا من حاملي الشهادات العليا من جميع ومختلف التخصصات عندما أدركوا أن الجزء الناقص المفقود لديهم ( الفراغ الديني ) موجود في هذا المنهج الحديث والمتطور عقلياً وروحياً، بل لم يقتصر الأمر على هذا وحسب إنما معظم العقول النيرة، وأصحاب الفكر الحر فتنوا بطرح السيد الشهيد عبر مؤلفاته أو مواعظه أو خطبه على منبر الكوفة مرجع حوزوي يتكلم عن الجزء وعن النظرية النسبية وعن فقه الفضاء، ويحلل ويفند نظرية ماركس في موسوعته المهدوية بل ويتحدى الغرب في الكثير من المسائل العلمية العالقة والتي لا يعرفون لها حلاً ذلك هو المولى المقدس محمد صادق الصدر .

المرحلة الثالثة: ترتيب المستويات وإعطاء كل ذي حق حقه.

ومن هنا فصل وقسم المتلقي، أو المجتمع إلى ثلاثة أصناف كلهم تابعين لمنهجه الحديث في العرفان، والتربية الأخلاقية الروحية والذي كان على ثلاث مستويات كما ذكر ذلك في كتابه المشار إليه أعلاه ندرجها هنا تباعاً بتصرف وهي من الادنى إلى الأعلى:

المستوى الأول: المستوى الإلزامي الظاهري من الشريعة أعني الواجبات والمحرمات.
والتي علق عليها سماحته بأن القصد من تأديتها تجنب العذاب الأخروي أي خوفاً من الدخول إلى النار (عبادة العبيد) *

المستوى الثاني: المستوى الوسطي الجامع بين الإلزام والاستحباب وهذ يتبع المستوى الإيماني للفرد تجاه الله، اي المستحبات والمكروهات والقصد منها الرغبة في دخول الجنة والفوز بها (عبادة التجار)*، وهي التي تعتبر عادة أول الخطوات نحو الكمال الأخلاقي، والعرفاني اللائق أو العالي كما حث القرآن على التنافس في درجات الجنة المادية، أو المعنوية (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) المططفين 26

المستوى الثالث: التعاليم المعمقة للسلوك الأخلاقي العرفاني الذي يختص الله به من عباده من يشاء (عبادة الاحرار) *

فالمستوى الثاني كما يقول سماحته هو الحقل الأوضح والأوسع في مستوى الظاهر من حيث الترابط بين الفقه والأخلاق، أو بين المستويين الأول والثالث، أو قل بين الظاهر والباطن، فهو مستوى وسطي يطل على كلا المستويين ويربط بينهما لذلك ركز السيد على هذا المستوى، وترك المستوى الأول تتولاه المناهج، والرسالات العملية الفقهية لتبيانه، وفتح باباً إلى المستوى الثالث لمن يريد الأكثر والأعلى لكنه خصه بنخبة معينة لعدم تحمل العامة لهذا المستوى، إنما من يبحث يمكنه أن يترقى لهذا السبيل العرفاني الخاص وقد حوت مؤلفاته ومواعظه وخطبه على منبر الكوفة الكثير من اللمحات العرفانية، والأخلاقية الراقية وكان يبعثها على شكل مشفر لخواصه المستحقين لا بل من يتعمق في أسلوب ومنهج السيد الأخلاقي العرفاني أنه كان يعطي الموعظة أو الرأي أو الأطروحات، وهي محملة لأكثر من مستوى وتخاطب جميع المستويات الثلاثة التي ذكرناها أعلاه أي كل يفهمها ويستلمها حسب مستواه وها هنا سرٌ عظيم ذكرنا لمحة منه في حقل أو باب العرفان طريق أهل البيت وهو أنه ( من يتصل بالله اللامتناهي يصبح كلامه وفعله محتوياً وحاملاً لأكثر من مستوى باطني حسب درجة القرب من الحق تعالى فكلما زاد القرب كثرت مستويات الباطن والعرفان في كلامه وفعله بل حتى صمته )

المرحلة الرابعة:المستوى أو التعاليم المعمقة للسلوك الأخلاقي العرفاني

حيث بقي أن نتكلم عن الأفق الواسع والرحمة الرحيمية الخاصة التي أسس لها والتي حملها سماحته لخواصه، وأوصى أن تعطى لمستحقيها حيث أن لكل مرحلة من التكامل العقلي، والباطني للبشرية استحقاقها الخاص، فكان سماحته هو الواسطة بين الارض والسماء لتلبية هذا المستوى الكمالي، حينما أسس منهاجه على تعاليم السماء المتمثلة بالقرآن والإرث الذي تركه لنا الرسول الأعظم محمد وآله الطاهرين، والذي طبقه وسار عليه هو أولاً على أحسن وجه، فتفجرت ينابيع الحكمة والمعرفة لديه ففاض علينا مما وهبته السماء له، فمزج بين ظاهر الشريعة وباطنها، فأخرج لنا عرفاناً جديداً بل حقيقياً واقعياً بعد أن كنا ندور بحلقة مفرغة جراء اتباع المدارس والمذاهب العرفانية القديمة التقليدية روحانية كانت أو نورانية، وبعد أن كنا نعتقد أن هذا الذي بين أيدينا هو الأفضل للتقرب لله سبحانه وتعالى، جاء ونفض التراب عن هذه المناهج بعد أن بين لنا ما هو العرفان وفرقه عن النورانية والروحانية كما ذكرنا هذ بالتفصيل في الحقول الأخرى من هذا الموقع المبارك ولأجل إعطاء المنهج حقه رغم قصورنا عن أداء هذا الأمر لكننا نحاول أن نقتفي أثره فسوف نشرع في تبيان المنهج المعمق في حقل العرفان النظري، وحقل العرفان العملي وباقي حقول الموقع حيث سنترجم نظرياً وعملياً منهجه المحدث للتعاليم المعمقة للسلوك الأخلاق والعرفاني .

*قال أمير المؤمنين عليه السلام
(إن قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار) 2

الشيخ علي بدر المالكي

……………………………………………………………………………………………………………………

(1) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٤ – الصفحة ٣٤٤٣- الكافي 5/28/4
(2) نهج البلاغة وكذلك في البحار ج41 صفحة 14